القيمة القانونية لمدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية
الدكتور رائد المالكي
عضو اللجنة القانونية النيابية
وعضو لجنة كتابة مدونة الأحكام الشرعية
٢ - أيلول - ٢٠٢٥
أثير في الأوساط القانونية جدل واسع حول القيمة القانونية لمدونة الأحكام الشرعية بعد موافقة مجلس النواب عليها، وتساءل البعض: هل تعتبر المدونة بمرتبة القانون أم أقل من ذلك؟ هذا المقال يوضح الرأي القانوني والفقهي بشأن مكانة المدونة في النظام التشريعي العراقي.
القيمة القانونية للمدونة
ذهب بعض القانونيين إلى أن المدونة أقل من القانون لأنها جاءت تنفيذاً للقانون رقم (1) لسنة 2025 (قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية)، ولأن إجراءات تشريعها اختلفت عن القوانين الأخرى. لكن الصحيح أن المدونة تُعد عملاً تشريعياً بمرتبة القانون، كونها جزءاً من قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل، إذ أُدرجت ضمن التعديل الأخير.
أسباب الاشتباه
الاشتباه الذي دفع البعض للتقليل من قيمة المدونة يعود إلى أمرين رئيسيين:
الأمر الأول: توقيت إصدار المدونة
أُقر تعديل قانون الأحوال الشخصية في مطلع 2025، بينما صوّت البرلمان على المدونة بعد 6 أشهر. لكن هذا التأخير لا يقلل من قيمتها، فالزمن ليس معياراً لتحديد القيمة القانونية. والأمثلة عديدة مثل:
- جداول الموازنة التي تُقر أحياناً بعد صدور قانون الموازنة.
- جداول الدوائر الانتخابية التي أُلحقت بقانون الانتخابات بعد التصويت على القانون الأساسي.
الأمر الثاني: آلية التصويت
اعتمد البرلمان التصويت المباشر بالموافقة دون قراءة أولى أو ثانية. وهذا الإجراء لا ينقص من القيمة التشريعية، إذ أن النظام الداخلي لمجلس النواب يجيز اعتماد آليات خاصة في بعض الحالات. والأمثلة تشمل:
- تصويت البرلمان على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية دون تعديل، حيث يُمنح خيار الموافقة أو الرفض فقط.
الدواعي الدستورية والموضوعية
هناك دواعي خاصة لتشريع المدونة بهذه الصيغة:
- دستورياً: المادة (41) من الدستور منحت العراقيين حرية الالتزام بأحوالهم الشخصية وفق معتقداتهم ومذاهبهم.
- موضوعياً: المدونة تتناول أحكاماً شرعية خاصة بالمذهب الجعفري، ولا يمكن للنواب المختلفي المذاهب التدخل بتعديلها.
النتائج والاستنتاج
يمكن القول بشكل واضح إن:
- مدونة الأحكام الشرعية ذات قيمة قانونية مساوية تماماً لقانون تعديل الأحوال الشخصية رقم (1) لسنة 2025.
- المدونة أُقرت بإرادة النواب الحرة عبر التصويت، ولم يُخل ذلك بالنظام التشريعي.
- طريقة إقرارها لها سوابق في التشريعات العراقية، وخصوصية موضوعها تطلبت هذه الآلية.
الأسئلة الشائعة
هل مدونة الأحكام الشرعية أقل من القانون؟
لا، فهي بمرتبة القانون تماماً لأنها جزء من التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959.
لماذا لم تُقرأ المدونة قراءتين في البرلمان؟
النظام الداخلي للبرلمان يتيح اعتماد آليات خاصة للتشريع، خصوصاً في الحالات التي تتطلب طبيعة موضوعها ذلك.
هل تأخر التصويت على المدونة يؤثر على قيمتها؟
لا يؤثر، إذ أن القيمة القانونية تُحدد بالجهة المشرّعة وطبيعة النص، لا بالزمن.
ما الأساس الدستوري للمدونة؟
المادة (41) من الدستور العراقي، التي تكفل حرية العراقيين في الالتزام بأحوالهم الشخصية وفق مذاهبهم.
خاتمة
إن مدونة الأحكام الشرعية تمثل خطوة قانونية وتشريعية رصينة، فهي ليست أقل من القانون بل جزء أصيل من المنظومة القانونية للأحوال الشخصية. وبذلك فهي تملك ذات القوة الإلزامية التي يملكها أي تشريع صادر من مجلس النواب، ما يعزز استقرار النظام القانوني ويحافظ على الحقوق والالتزامات المستندة إلى الدستور.
#الإعلام_الرسمي // ٢ أيلول ٢٠٢٥